فصل في الأجناس العشرة
وأما هذه الأجناس العشرة فمنها " الجوهر " وهو كل ما وجود ذاته ليس في موضوع أي في محل قريب قد قام بنفسه دونه الفعل لا بتقويمه - ومنها " الكم " وهو الشيء الذي يقبل لذاته المساواة واللامساوات والتجزيء وهو إما أن يكون متصلاً إذ يوجد لأجزائه بالقوة حد مشترك تتلاقى عنده وتتحد به كالنقطة للخط وإما أن يكون منفصلاً لا يوجد لأجزائه ذلك بالقوة ولا بالفعل كالعدد والمتصل قد يكون ذا وضع وقد يكون عديم الوضع وذو الوضع هو الذي يوجد لأجزائه اتصال وثبات وإمكان أن يشار إلى كل واحد منها أين هو من الآخر. فمن ذلك ما يقبل القسمة في جهة واحدة وهو الخط ومنه ما يقبل في جهتين متقاطعتين على قوائم وهو السطح ومنه ما يقبله في ثلاث جهات قائم بعضها على بعض وهو الجسم والمكان أيضاً ذو وضع لأنه السطح الباطن من الحاوي وأما الزمان فهو مقدار للحركة إلا أنه ليس له وضع إذ لا توجد أجزاؤه معاً وإن كان له اتصال إذ ماضيه ومستقبله يتحدان بطرف هو الآن وأما العدد فهو بالحقيقة الكم المنفصل ومن المقولات العشر " الاضافة " وهو المعنى الذي وجوده بالقياس إلى شيء آخر وليس له وجود غيره مثل الأبوة بالقياس إلى البنوة لا كالأب فإن له وجوداً يخصه كالانسانية " وأما الكيف " فهو كل هيئةقارة في جسم لا يوجب اعتبار وجودها فيه نسبة للجسم إلى خارج ولا نسبة واقعة في أجزائه ولا لجملته اعتبار يكون به ذا جزء مثل البياض والسواد وهو إما أن يكون مختصاً بالكم من جهة ما هو كم كالتربيع بالسطح والاستقامة بالخط والفردية بالعدد وإما أن لا يكون مختصاً به وغير المختص به إما أن يكون محسوساً ينفعل عنه الحواس ويوجد بانفعاله الممتزجات فالراسخ منه مثل صفرة الذهب وحلاوة العسل تسمى كيفيات انفعاليات وسريع الزوال منه وإن كان كيفيه بالحقيقة فلا تسمى كيفية بل انفعالات لسرعة استبدالها مثل حمرة الخجل وصفرة الوجل ومنها ما لا تكون محسوسة - وهذا إما أن يكون استعدادات إنما تتصور في النفس بالقياس إلى كمالات فإن كان استعداداً للمقاومة وإباء للانفعال سمي قوة طبيعية كالمصحاحية والصلابة وإن كان استعداداً لسرعة الإذعان والانفعال سمي لا قوة طبيعية مثل الممراضية واللين وإما أن يكون في أنفسها كمالات لا يتصور أنها استعدادات لكمالات أخرى ويكون مع ذلك غير محسوسة بذاتها فما كان منها فما كان منها ثابتاً سمي ملكة مثل العلم والصحة وما كان سريع الزوال سمي حالاً مثل غضب الحليم ومرض المصحاح وفرق بين الصحة
الصفحة : 71
والمصحاحية فإن المصحاح قد لا يكون صحيحاً والممراض قد يكون صحيحاً ومن جملة العشرة " ألأين " وهو كون الجوهر في مكانه الذي يكون فيه ككون زيد في السوق " ومتى " وهو كون الجوهر في زمانه الذي يكون فيه مثل كون هذا الأمر أمس " والوضع " وهو كون الجسم بحيث تكون لأجزائه بعضها إلى بعض في الانحراف والموازاة بالقياس إلى الجهات وأجزاء المكان إن كان في مكان مثل القيام والقعود وهو في المعنيين غير الوضع المذكور في باب الكم " والملك " ولست أحصله ويشبه أن يكون كون الجوهر في جوهر آخر يشمله وينتقل بانتقاله مثل التلبس والتسلح " والفعل " وهو نسبة الجوهر إلى أمر موجود منه غير قار الذات بل لا يزال يتجدد ويتصرم فصل في مشاركات الحد والبرهان إنا كما لا نطلب العلة بلم إلا بعد مطلب هل كذلك لا نطلب الحقيقة بما إلا بعد هل وعن كل واحد منهما جواب لكن الحقيقي من الجواب عن لم هو الجواب بالعلة الذاتية فيتفق هذان المطلبان في أمرين في كون كل منهما إنما يكون بعد هل وفي الجواب إذا كان الجواب عن لم بالجواب الحقيقي فإن العلة الذاتية مقومة للشيء فهي إذاً داخلة في الحد وفي جواب ما هو فيتفق إذاً الداخل في الجوابين - مثاله لم انكسف القمر فنقول لأنه توسط بينه وبين الشمس الأرض فانمحى نوره ثم نقول ما كسوف القمر فنقول هو انمحاء نور القمر لتوسط الأرض لكن هذا الحد الكامل للكسوف لا يكون عند التحقيق حداً واحداً في البرهان بل حدين أي لا يكون جزءاً من مقدمة في البرهان بل جزئين فالذي يحمل منهما على الموضوع في البرهان أو لا وهو الحد الأوسط يكون في الحد محمولاً بعد الأول والذي يحمل في البرهان ثانياً يكون في الحد محمولاً أولاً لأنك تقول في البرهان إن القمر قد توسط الأرض بينه وبين الشمس وكل مستضيء من الشمس يتوسط بينهما الأرض ينمحى ضوءه فينتج إن القمر يمحى ضوءه ثم نقول والمنمحى ضوءه منكسف فالقمر إذاً منكسف فأولاً حملت التوسط ثم الانمحاء وفي الحد التام تورد أولاً الانمحاء ثم التوسط لأنك تقول إن انكساف القمر هو انمحاء ضوئه لتوسط الأرض بينه وبين الشمس فإن جعلت كل واحد من توسط الأرض وانمحاء الضوء حداً على حده واتفق إذاً إن كان مميزاً فكان حداً ما وإن لم يكن تاماً سمي الذي يكون منهما الحد الأوسط في القياس حداً هو مبدأ برهان كما نقول في مثال آخر أن الرعد صوت انطفاء النار في الغمام أو الغضب شهوة الانتقام ويسمى الذي يكون منهما حداً أكبر حداً هو نتيجة برهان كقولك إن الكسوف انمحاء ضوء القمر والغضب غليان
الصفحة : 72
دم القلب - فهذا إنما يتفق إذا كان بعض أجزاء الحد التام علة للجزء الآخر فإن اقتصر على العلة كتوسط الأرض كان الحد يسمى مبدأ برهان وإن اقتصر على المعلول كانمحاء كان الحد يسمى نتيجة برهان والحد التام مجموعهما مع الجنس.
فصل في أقسام معنى الحد
والحد يقال بالتشكيك على خمسة أشياء فمن ذلك الحد الشارح لمعنى الاسم ولا يعتبر فيه وجود الشيء فإن كان في وجود الشيء شك أخذ الحد أولاً على أنه شارح للاسم كتحديد المثلث المتساوي الاضلاع في افتتاح كتاب أوقليدس فإذا صح للشيء وجود علم حينئذ أن الحد لم يكن بحسب الاسم فقط ويقال حد لما كان بحسب الذات فمنه ما هو نتيجة برهان ومنه ما هو مبدأ برهان ومنه حد تام مجتمع منهما ومنه ما هو حد لأمور لا علل لها ولا أسباب أو أسبابها وعللها غير داخلة في جوهرها مثل تحديد النقطة والوحدة والحد وما أشبه ذلك فإن حدودها لا بحسب الاسم فقط ولا مبدأ برهان ولا نتيجة برهان ولا مركب منهما. فصل في أقسام العلل وبيان دخولها في الحد والبرهان يقال علة للفاعل ومبدأ الحركة مثل النجار للكرسي والأب للصبي ويقال علة للمادة وما يحتاج الشيء إلى أن يكون حتى يقبل ماهيته مثل الخشب ودم الطمث ويقال علة للصورة وكل شيء مكون فإنه ما لم تقترن الصورة بالمادة لم يتكون الشيء ويقال علة للغاية والشيء الذي لأجله مثل الكن للبيت وكل واحدة من هذه إما قريبة كالعفونة للحمى وإما بعيدة كالسدة وإما بالقوة وإما بالفعل وإما خاصة كالبناء للبيت وإما عامة كالصانع له وإما بالذات مثل السقمونيا يسخن بذاته وإما بالعرض مثل السقمونيا يبرد لأنه يزيد المسخن أو شرب الماء البارد يسخن لأنه يجمع المسخن وإنما يجب أن يعطى في البراهين العلة التي بالذات الخاصة القريبة التي بالفعل حتى ينقطع سؤال اللم وإلا فهو بعد ثابت والعلل الأربع قد تقع حدوداً وسطى في البراهين لانتاج قضايا محمولاتها أعراض ذاتية والعلة بالفعل هي ما تستلزم وجود المعلول بالفعل كالصورة والغاية وأما العلة الفاعلية والقابلية فلا يجب من وضعهما وضع المعلول وإيجابه ما لم يقرن بذلك ما يدل على صيرورتها علة بالفعل مثل اقتران انفعال الأفيون عن الحرارة الغريزية التي في الأبدان بالقوة المبردة التي فيه حينئذ يجب عن قوته التبريد وذلك في كثير من المواد ولكن كثير من الأمور الطبيعية يلزم عن اقتران موادها بفواعلها أن يوجد المعلول ضرورة بل هذا في كلها وفي كثير منها لا يوجد
الصفحة : 73
مادتها على الطباع التي يجب إلا ويوجد الكائن كنطفة الانسان وكأنه لا فرق بين القسمين - وهذه الضرورة لا تمنع أن تكون لغاية كما سنوضح في العلوم فلا يمتنع إذاً استعمال الغاية في براهينها وفي براهين ما لم تكن هكذا من الكائنات الغير الطبيعية لا مانع البتة عن استعمال الغاية بل لابد منها بحيث يكون المعلول إنما يجب باجتماع الفاعل والقابل معاً فإن الواحد منهما لا يكفي حداً أوسط ما لم يجتمعا فإنا نقول مثلاً لم كانت الأسنان الطواحن عريضة فنقول لأن المادة كانت تامة الاستعداد لذلك ونقول أيضاً الأضراس أريد منها الطحن وكل ما يراد منه الطحن يعرض وأما الصورة المادية فلا يحتاج إلى شرط في إدخالها حداً أوسط وكأن الغاية في أكثر الأمر تفيد اللم المجرد دون الان وقد يجتمع في الشيء علل فوق واحدة وحتى الأربعة كلها وقد يكون لبعض الأشياء بعض العلل دون بعض فلذلك لا يدخل في حدود التعليمات ولا براهينها علة مادية فقد قلنا في العلل وأما دخولها في البراهين وأما دخولها في الحدود فكما أوضحنا من أن العلل الذاتية مقومة وإذا كان للشيء علة مساوية أو أعم وكانت ذاتية فدخولها ظاهر وأما العلل التي هي أخص من الشيء مثل إن للحمى عللاً كالعفونة وكالحركة العنيفة للروح أو اشتغال من غير عفونة. وللصوت أيضاً انطفاء نار وانكسار قمقمة وقرع بعصا وما أشبه ذلك فليس شيء منها يدخل في الحد ويدخل في البرهان وأما في الحد فيطلب الشيء الجامع لها إن وجد مثل القرع المقاوم لجميع ذلك فيكون هو العلة التي تدخل في الحدود - وأما العلل الخاصية فلحدود أنواع الشيء مثل انطفاء النار لحد الرعد لا الصوت المطلق. وقد يحد الشيء بجميع علله الأربع إن كانت له وكانت ذاتية كمن يحد القدوم بأنه آلة صناعية من حديد شكلها كذا ليقطع به الخشب نحتاً فالآلة جنس والصناعية تدل على المبدأ الفاعل والشكل على الصورة والنحت على الغاية والحديد على المادة: وفي هذه الأبواب كلام طويل لا يليق بالمختصرات
الصفحة : 74
فصل في دفع توهم الدور المحال من ترتب في الطبيعة يوهم ذلك
واعلم أن في الكائنات أموراً بعضها علل لبعض في الدور - فكذلك القياسات التي تكون منها تدور دوراً مثل إنه لم كانت السحابة فقيل لأنه كان بخار فقيل لم كان بخار فقيل لأن الأرض كانت ندية وفعل فيها الحر فقيل لم كانت الأرض ندية فقيل لأنه كان مطر. ثم قيل لم كان مطر فقيل لأنه كان سحاب فينتج من هذا أنه كان سحاب لأنه كان سحاب ومن أوساطه أنه كان سحاب وإن كان هناك وسائط أخرى ولكن لا فرق في البرهان الدوري بين أن يكون حد قد وقع مكرراً بلا واسطة بين طرفي تكراره - أوقع مكرراً بين طرفي تكراره وسائط ولكن المثال الذي أوردناه ليس في الحقيقة دوراً لأن السحاب الواقع حد أكبر والسحاب الواقع حداً أوسط ليس واحداً بالذات بل بالنوع وليس هذا مما يجعل القياس دوراً لأن الدوري هو أن يؤخذ الشيء في بيان نفسه لا أن يؤخذ مساويه في النوع في بيانه وهو غيره بالذات فصل في كيفية دخول العلل الخاصة في البرهان العلل التي هي أخص من المعلول وتكون حدوداً وسطى في البرهان وهو مثل كون السحاب عن تكاثف الهواء بالبرد وعن انعقاد البخار والزلزلة عن حدوث ريح أو انحطاط أعالي وهدة أو اندفاع سيل في باطن الأرض والرعد عن ريح وعن انطفاء دخان ناري والحمى عن عفونة وعن حرارة روح بلا عفونة فقد يمكن أن تجتمع لهذه العلل الخاصية معنى عام يكون محمولاً عليها فيكون لذلك أقرب من المعلول ويكون علته المساوية له وقد لا يجتمع لا أنه يذهب الأمر في ذلك إلى غير نهاية لكنه يقف عند عام لا واسطة بينه وبين تلك الخواص ومعلوم أنه لا يمكن حينئذ أن توجد علة مساوية للحد الأكبر فما كان من العلل الخاصية لا يوجد بينها وبين الحد الأكبر وبين ما هو أعم منها مساو للأكبر فلا يمكن أن تجعل حدوداً وسطى إلا لموضوعات لها أخص أيضاً من الأكبر فلا تكون علل وجود الأكبر على الاطلاق بل علل وجوده للأصغر الأخص فإن الحمى المطلقة ليست معلولة للعفونة بل حمى هذا الانسان أو حمى أصحاب الغب وكذلك النوع ليس علة وجود الجنس مطلقاً بل لما هو تحت النوع من شخص أو نوع دونه وما كان يوجد له معنى عام فإن حمل الأكبر على الحدود الوسطى التي هي أخص لا يكون أولاً ولكن بتوسط العام مثل أن هذه الشجرة ينتثر ورقها وهي تينة وأخرى وهي خروع وأخرى وهي كرم وتكون العلة
الصفحة : 75
لانتثار الورق فيها جمود رطوبتها وانفشاشها ولكن ليس لهذه الوسطيات الخاصية التي هي تينة وخروع وكرم أولاً ولكن العريض الورق والتينة والكرمة والخروع عريضة الأوراق بلا واسطة وأما أنها تجمد رطوبتها أو تنفش رطوبتها فليس لأنها تينة أو خروع أو كرمة بلا واسطة بل لأنها عريضة الورق وهي تنتثر ورقها لا لأنها تلك ولا لعرض الورق ولكن لانفشاش الرطوبة وجمودها فقد بان أين ينعكس الحد الأوسط الذي هو العلة على الأكبر المعلول وأين لا ينعكس. الظن الحق هو رأي في شيء أنه كذا ويمكن أن لا يكون كذا والعلم اعتقاد بأن الشيء كذا وأنه لا يمكن أن لا يكون كذا وبواسطة توجبه والشيء كذلك وقد يقال لتصور الماهية بتحديد والعقل اعتقاد بأن الشيء كذا وأنه لا يمكن أن لا يكون كذا طبعاً بلا واسطة كاعتقاد المبادئ الأولى للبراهين وقد يقال لتصور الماهية بذاتها بلا تحديدها كتصور المبادئ الأولى للحد والذهن قوة للنفس معدة نحو اكتساب العلم والذكاء قوة استعداد للحدس والحدس حركة إلى إصابة الحد الأوسط إذا وضع المطلوب أو أصابه الحد الأكبر إذا أصيب الأوسط وبالجملة سرعة الانتقال من معلوم إلى مجهول كمن يرى تشكل استنارة القمر عند أحوال قربه وبعده عن الشمس فيحدس أنه يستنير من الشمس.
الصفحة : 76
فصل في بيان وجوه الغلط في الأقوال الشارحة
وههنا مواضع يجب أن يراعى الاحتراز منها في الحدود فتعرف حتى لا يقع بإغفالها سهو فمن ذلك ما يقع في جانب الجنس ومنه ما يقع في جانب الفصل ومنه ما هو مشترك - وهذا المشترك هو أيضاً مشترك للحد الناقص والرسم فمن الخطأ في الجنس أن يوضع الفصل مكانه كقول القائل إن العشق إفراط المحبة وإنما هو المحبة المفرطة ومن ذلك أن توضع المادة مكان الجنس كقولهم للكرسي أنه خشب يجلس عليه - وللسيف أنه حديد يقطع به فإن هذين الحدين قد أخذ فيهما المادة مكان الجنس ومن ذلك أن يؤخذ الهيولى التي عدمت وليست الآن موجودة مكان الجنس كقولهم للرماد إنه خشب محترق وهو ليس الآن خشب بل كان خشباً - ومن ذلك أخذهم الجزء مكان الجنس في حد الكل كقولهم إن العشرة خمسة وخمسة وأورد في التعليم الأول لهذا مثال آخر وهو قولهم إن الحيوان جسم ذو نفس: وفي تحقيق ذلك بحث دقيق ومن ذلك أن توضع الملكة مكان القوة والقوة مكان الملكة - وذلك في الأجناس المقدمة في أجزاء الحدود كقولهم إن العفيف هو الذي يقوى على اجتناب اللذات الشهوانية إذ الفاجر يقوى أيضاً ولا يفعل فقد وضع إذاً القوة مكان الملكة لاشتباه الملكة بالقوة لأن الملكة قوة ثابتة وكقولهم إن القادر على الظلم هو الذي من شأنه وطباعه النزوع إلى انتزاع ما ليس له من يد غيره فقد وضع الملكة مكان القوة لأن القادر على الظلم قد يكون عادلاً ولا يظلم ولا تكون طباعه هكذا ومن ذلك أن تأخذ اسماً مستعاراً أو مشتبهاً كقول القائل إن الفهم موافقه وإن النفس عدد ومن ذلك أن تضع شيئاً من اللوازم مكان الأجناس كالواحد والموجود ومن ذلك أن تضع النوع شيئاً من اللوازم مكان الأجناس كالواحد والموجود ومن ذلك أن تضع النوع مكان الجنس كقولك إن الشر هو ظلم الناس والظلم نوع من الشر وأما من جهة الفصل فأن تأخذ اللوازم مكان الذاتيات وأن تأخذ الجنس مكان الفصل وأن تحسب الانفعالات فصولاً والانفعالات إذا اشتدت بطل الشيء والفصول إذا اشتدت ثبت الشيء وقوي وأن تأخذ الأعراض فصولاً للجواهر وأن تأخذ فصول الكيف غير الكيف وفصول المضاف غير المضاف لا ما إليه الاضافة وأما القوانين المشتركة فمثل أن تعرف الشيء بما هو أخفى كمن حد النار بأنها جسم شبيه بالنفس والنفس أخفى من النار ومثل أن يحد الشيء بما هو مساوله في المعرفة أو متأخر عنه في المعرفة: مثال المساوي له في المعرفة قولهم إن العدد كثرة من الآحاد والعدد والكثرة شيء واحد - فهذا قد أخذ نفس
الصفحة : 77
الشيء في حده ومن هذا الباب أن تأخذ الضد في حد الضد كقولهم للزوج عدد يزيد على الفرد بواحد ثم يقولون الفرد عدد ينقص عن الزوج بواحد وكذلك إذا أخذ المضاف في حد المضاف إليه كما فعل " فرفوريوس " إذ حسب أنه يجب أن يأخذ الجنس في حد النوع والنوع في حد الجنس ولم يدر ما في ذلك من الغلط وما في ظنه ذلك من السهو وما عن الاضطرار إلى ذلك من المندوحة وما في تفهم حقيقة الحد الذي استعمله على الوجه الواجب من البعد عن اعتراض ما أورده من الشبهة وأما المتقابلات بحسب السلب والعدم فلابد من أن يؤخذ الموجب والملكة في حديهما من غير عكس وأما الذي يأخذ المتأخر في حد الشيء فكقولكم الشمس كوكب يطلع نهاراً ثم النهار لا يمكن أن يحد إلا بطلوع الشمس لأنه زمان طلوع الشمس وكذلك التحديد المشهور للكمية بأنها قابلة للمساواة وغير المساواة وللكيفية بأنها قابلة للمشابهة وغير المشابهة - فهذا وما أشبهه من المعاني الصارفة عن الاصابة في الحدود. فصل في إبانة المواضع المغلطة للباحث نقول إن أفعال السوفسطائية إما في القياس المطلوب به انتاج الشيء وإما في أشياء خارجة عن القياس مثل تخجيل الخصم وترذيل قوله والاستهزاء به وقطع كلامه والاغراب عليه في اللغة واستعمال ما لا مدخل له في المطلوب وما يجري مجرى ذلك وهي عشرة ولا حاجة لنا إلى ذكرها وأما اللواتي في القياس المطلوب به انتاج الشيء فإنا نذكرها.