الصفحة : 60
فصل في المقدمة الأولية
المقدمة الأولية يقال لها أولية من وجهين " أحدهما " من جهة أن التصديق بها حاصل في أول العقل مثل أن الكل أعظم من الجزء " والثاني " من جهة أن الايجاب فيها أو السلب لا يقال على ما هو أعم من الموضوع قولاً كلياً أما الايجاب فمثل قولك إن كل مثلث فزواياه مساوية لقائمتين فإن هذا إلا يحمل على ما هو أعم من المثلث حملاً كلياً كالشكل وأما ما هو أخص من المثلث مثل متساوي الساقين فقد يبطل ويبقى ما هو أعم منه كالمثلث ولا يبطل كون الزوايا مثل قائمتين وإذا بطل المثلث لم يبق لما هو أعم من المثلث كالشكل هذا المعنى فإذا ما بقي المثلث محمولاً على شيء وجد هذا المعنى في ذلك الشيء سواء بقي ما هو أخص منه أو لم يبق فإذا ارتفع المثلث المحمول على شيء ارتفع هذا المعنى عن ذلك الشيء وإن بقي له ما هو أعم من المثلث والأولى قد تكون أعم كالجنس وقد يكون مساوياً ولا يكون أخص. فصل في المقول على الكل المقول على الكل ههنا غير الذي كان في كتاب القياس فإن معنى المقول على الكل هو أن يقال على كل واحد واحد في كل زمان ما دام موصوفاً بما وضع معه لأن كليات البرهان ضرورية لا تتغير والكلي ههنا أزيد شريطة فإنه يحتاج أن يكون مقولاً على كل واحد في كل زمان ومع ذلك يكون قولاً أولياً وشخصية الموضوع في الوجود لا تمنع كلية الحكم إذا كان الموضوع في نفس تصوره قد يمكن أن يحمل على الكثيرين وإن عاق عائق غير معناه كالشمس لا كزيد والضروري ههنا غير الضروري الذي كان في كتاب القياس فإنه يعني ههنا بالضروري ما كان المحمول دائماً للموضوع ما دام موصوفاً بما وضع معه وإن كان لا ما دام موجوداً بل ما دام موصوفاً بما وضع معه مثل قولنا كل أبيض فهو بالضرورة ذو لون مفرق للبصر لا ما دام ذاته موجوداً بل ما دام أبيض.
الصفحة : 61
فصل في المناسب
المناسب للعلم هو أن لا تكون المقدمات فيه من علم غريب كمن يستعمل مقدمات الهندسة في الطب بل يكون من ذلك العلم بعينه أو من علم يناسبه لأن المحمولات يجب أن تكون ذاتية والذاتي يكون من ذلك العلم بعينه أو من علم يشاركه في موضوعه بنوع ما على ما نوضح ولأن المقدمات البرهانية علة النتيجة والعلة مناسبة للمعلول بوجه ما - فلهذا إذا قال الطبيب إن الجرح المستدير لا يندمل إلا أبطأ من المزاوي لأن الدائرة أوسع الأشكال لم يكن برهن من الطب.
فصل في الموضوعات
وأما الموضوعات فهي الأمور التي توضع في العلوم وتطلب أعراضها الذاتية مثل المقدار للهندسة ومثل العدد للحساب ومثل الجسم من جهة ما يتحرك ويسكن للعلم الطبيعي ومثل الموجود والواحد للعلم الآلهي ولكل منها أعراض ذاتية تخصه مثل المنطق والأصم للمقادير ومثل الشكل لها ومثل الزوج والفرد للعدد ومثل الاستحالة والنمو والذبول وغير ذلك للجسم الطبيعي ومثل القوة والفعل والتمام والنقصان والحدوث والقدم وما أشبهها للموجود وقد يكون الموضوع واحداً مثل الجسم الطبيعي وقد يكون أموراً كثيرة متجانسة أو متناسبة مثل الخط والسطح والجسم للهندسة. وأما المسائل البرهانية فهي القضايا الخاصة بعلم علم المشكوك فيها المطلوب برهانها وموضوعاتها - أما موضوع العلم نفسه كقولنا كل مقدار إما مشارك وإما مباين وأما موضوعه مع عرض ذاتي له كقولنا كل مقدار وسط في النسبة فهو ضلع ما يحيط به الطرفان وأما نوع من موضوعه مثل قولك إن كل خط يمكن أن ينقسم بنصفين وأما نوع من موضوعه مع عرض كقولنا كل خط قام على خط يمكن أن ينقسم بنصفين وأما نوع من موضوعه مع عرض كقولنا كل خط قام على خط فإن الزاويتين كذا وأما عرض ذاتي له مثل قولنا كل مثلث فإن زواياه كذا وأما المحمول فلا يجوز أن يكون للموضوع ذاتياً بمعنى الداخل في حد الموضوع لأن وجود هذا للموضوع بين بنفسه اللهم إلا في حالين " أحدهما " أن يكون الموضوع متخيلاً بعد وإنما يعرف بأمور خارجة عنه أو بالاسم فقط وذاته لم تتحقق بعد مثل طلبنا أنه هل النفس جوهر أم لا لأنا إنما نكون حينئذ قد عرفنا من النفس الاسم وفعلاً ما ولم نعرف بعد ذاتها فالموضوع بالحقيقة عارض ذاتي للنفس وهو الفاعل لذلك الفعل كالمحرك والمدرك مثل الأبيض للثلج
الصفحة : 62
والمطلوب جنس للمعروض له وهو غير مقوم لماهية ذلك العارض تقويم المحمولات الذاتية " والحالة الثانية " أن يكون البرهان ليس يراد به التصديق مع العلة أعني الأن واللم معاً بل العلة وحدها مثل أنه إذا كنا نعلم أن الانسان جوهر ويكون الجوهر ليس له أولياً فنريد أن نعلم العلة فنقول لأنه جسم ولكن الذاتي بالمعنى الثاني هو المطلوب في المسائل البرهانية وأما في المقدمات فلا يجوز أن تتفق المقدمتان في الحمل الذاتي بحسب المعنى الأول حتى يكونا معاً ذاتيتين بذلك الاعتبار وإلا كان الأكبر ذاتياً للأصغر بذلك المعنى وقد بينا أن هذا غير مطلوب إلا بالحالتين المذكورتين ويجوز أن تكون المقدمتان جميعاً ذاتيتين بالمعنى الثاني ويجوز أن تكون الصغرى ذاتية بالمعنى الأول والكبرى بالمعنى الثاني وبالعكس.
فصل في الأصول التي تعلم أولاً قبل البراهين
الأصول التي تعلم أولاً قبل البراهين ثلاثة حدود وأوضاع ومقدمات فالحدود تفيد تصور ما لا يكون بين التصور من موضوعات الصناعة ومن عوارض الصناعة مثل أن النقطة طرف لا جزء له والخط طول لا عرض له والسطح كذا ومثل أن المثلث شكل يحيط به كذا وليست تفيد تصديقاً البتة ولا فيها إيجاب ولا سلب وأما الأوضاع فهي المقدمات التي ليست بينة في نفسها ولكن المتعلم يراود على تسليمها وبيانها إما في علم آخر وإما بعد حين في ذلك العلم بعينه مثل ما نقول في أوائل الهندسة أن لنا أن نصل بين كل نقطتين بخط مستقيم ولنا أن نعمل دائرة على كل نقطة وبقدر كل بعد بل مثل أن الخطين إذا وقع عليهما خط مستقيم فكانت الزاويتان اللتان من جهة واحدة أقل من قائمتين فإن الخطين يلتقيان من تلك الجهة فما كان من الأوضاع يتسلمه المتعلم من غير أن يكون في نفسه له عناد سمي أصلاً موضوعاً على الاطلاق وما كان يتسلمه مسامحاً وفي نفسه له عناد يسمى مصادرة.
الصفحة : 63
فصل في المقدمات
وأما المقدمات فمثل إن المقادير المساوية لمقدار واحد متساوية فمنها خاصة بالعلم مثل قولنا كل مقدار إما مشارك وإما مباين ومنها عامية مثل أن كل شيء يصدق عليه إما الايجاب وإما السلب والعامات تخصص في العلوم فلا يقال في الهندسة أن كل شيء إما مساو وإما غير مساو بل كل مقدار وربما خصص في الحالتين جميعاً كقولهم كل مقدار إما منطق وإما أصم. فصل في اختلاف العلوم واشتراكها في الموضوعات العلوم إما متباينة وإما متناسبة والمباينة هي التي موضوعاتها لا تشترك في الذات ولا في الجنس مثل علم العدد والعلم الطبيعي والمتناسبة إما متساوية في المرتبة وإما بعضها في بعض وإما بعضها تحت بعض فأما المتساوية في المرتبة فمثل الهندسة والعدد فإن موضوعيهما متجانسان لأن المقدار والعدد نوعا الكم ومثل العلم الطبيعي وعلم النجوم فإن موضوعيهما شيء واحد وهو جرم العالم ولكن النظرين مختلفان - فهذا ينظر من جهة ما يتحرك ويسكن ويمتزج ويفترق وما أشبه ذلك ويحوم أكثره حوم الكيف وذلك ينظر فيه من جهة ما يتكمم هو وعوارضه ولذلك كثيراً ما يشتركان في المسائل لكن أحدهما يعطي برهان اللم والآخر يعطي برهان الأن أو أحدهما يعطي برهاناً عن علة فاعلية والآخر عن علة صورية وأما المختلفة في المرتبة وبعضها في بعض فمثل المخروطات في الهندسة لأن المخروطات تنظر في نوع من موضوع الهندسة وأما المختلفة في المرتبة وبعضها تحت بعض فلا يخلو إما أن يكون العالي ليس موضوعه بالحقيقة جنساً لموضوع السافل بل هو كالجنس لعمومه وان كان لا على نحو عموم الجنس ولو كان على نحو عموم الجنس لم يمتنع أن يكون السافل نوعاً منه كالمخروطات من الهندسة وهذا مثل العلوم الجزئية تحت الفلسفة الأولى التي موضوعها الموجود المطلق بما هو موجود مطلق وإما أن يكون العالي جنساً لموضوع الأسفل ولكن لم يؤخذ الأسفل من جهة ما هو نوع الأعلى مطلقاً بل قرن به عرض ما وأخذ مع ذلك العرض موضوعاً ونظر في أعراضه الذاتية من جهة ما هو كذلك وهذا كالنظر في الأكر المتحركة تحت علم الهندسة ومثل النظر في المناظر لأن موضوعات المناظر خطوط عرض لها أن فرضت متصلة بحدقة قد نفذت في مشف فاتصلت بأطراف جسم: وربما كان الموضوع من علم والعرض من علم لكن لن البحث عنه يكون من جهة ما له ذلك العرض الذي هو له غريب ولموضوع آخر ذاتي مثل الموسيقى الذي موضوعه النغم وهو من
الصفحة : 64
عوارض العلم الطبيعي وإنما يبحث الموسيقي عن النغم من جهة ما فيها عارض غريب هو ذاتي لموضوع آخر أعني المناسبة العددية فهو لذلك تحت العدد لا تحت العلم الطبيعي. فصل في تعاون العلوم تعاون العلوم هو أن يؤخذ ما هو مسئلة في علم مقدمة في علم آخر فالعلم الذي فيه المسئلة معين للعلم الذي فيه المقدمة وهذا على وجوه ثلاثة " أحدها " أن يكون أحد العلمين تحت الآخر فيستفيد العلم السافل مباديه من العالي مثل الموسيقى من العدد والطب من الطبيعي والعلوم كلها من الفلسفة الأولى وإما أن يكون العلمان متشاركين في الموضوع كالطبيعي والنجومي في جرم الكل فأحدهما ينظر في جوهر الموضوع يفيد الآخر المبادئ مثل استفادة المنجم من الطبيعي أن الحركة الفلكية يجب أن تكون مستديرة وإما أن يكون العلمان متشاركان في الجنس وأحدهما ينظر في نوع بسيط كالحساب والآخر في نوع أكثر تركيباً كالهندسة فإن الناظر في الأبسط يفيد الآخر مبادئ كما يفيد العدد الهندسة مثل ما في عاشرة أوقليدس. فصل في نقل البرهان نقل البرهان قد يقال لأخذ المبدء على نحو ما ذكرناه وقد يقال كما يبرهن على المخروط البصري في المناظر ببرهان هندسي لوجود المخروط عن الاضافة إلى البصر لكان عليه ذلك البرهان بعينه وذلك لأن الحد الأوسط يكون من العلم الآخر والحد الأصغر يكون من ذلك العلم.
الصفحة : 65
فصل في اشتراك العلوم في المسائل
اشتراك العلوم في المسائل تارة يقع على ما قلناه وتارة يقع بين علم عال وبين علم سافل وكل واحد منهما يعطي برهان لم مثل أن يكون بعض العلل في العلم العالي مثل العلل المفارقة للأجسام الطبيعية وبعضها في العلم السافل مثل العلل المقارنة لها كالهيولى والصورة فإذا أعطى البرهان من العلل المقارنة كان من العلم السافل وإن أعطى من المفارقة كان من العلم العالي. فصل في أنه ليس على الفاسدات برهان البرهان يعطي اليقين الدائم وليس في شيء من الفاسدات عقد دائم لأن المقدمات الصغرى في القياسات على الفاسدات لا تكون دائمة الصدق فلا تكون برهانية فبين أنه لا برهان عليها ولا حد فإنا سنوضح أن البرهان والحد متشاركان في الأجزاء فما لا برهان عليه فلا حد له وكيف يكون له حد وإنما يتميز بالعوارض الغير المقومة فأما المقومات فمشتركة لها. الممكنات إما أكثرية وإما اتفاقية أما الممكنات الأكثرية فلها لا محالة علل أكثرية إذا جعلت حدوداً وسطى أوقعت علماً وظناً مكتسباً غالباً أما العلم فبإمكانها الأكثري وذلك يقين وأما الظن فبأنها تكون لأن الأمر إذا صح أن له علة أكثرية توقع كونه وهذا مثل نبات الشعر على الذقن عند البلوغ لعلة استحصاف البشرة ومتانة النجار ففي الأكثريات ضرورة ما من وجه فلذلك يتميز وجودها عن وجود نقايضها وقد عرف ذلك في الكتب المفصلة.
الصفحة : 66
فصل في الاتفاقيات
وأما الاتفاقيات فقد يمكن أن يبرهن على أنها اتفاقية وإنها داخلة في جملة الامكان ولا برهان عليها من جهة أنها تكون أو لا تكون البتة وإلا لترجع ذلك الطرف وصار أكثرياً. فصل في الأشياء الثلاثة الأشياء التي عليها مبنى البراهين ثلاثة الموضوعات والمطلوبات والمبادي فأما الموضوعات فيجب أن تعطى حدودها وماهيتها إن كانت خفية الحدود كالنقطة والوحدة ويتسلم وجودها تسليم مقدمة هي مبدأ أو أصل موضوع أو مصادرة وأما المطلوبات فهي العوارض الذاتية فإن كانت خفية الحدود أعطى حدودها مثل الأصم والمنطق وما أشبه ذلك وأما وجودها للموضوعات فيؤخذ إلى مرتبته في البيان البرهاني وأما المبادي فيجب أن تتسلم تسليماً وتوضع وضعاً من جهة الهل. فصل في اختلاف برهان الأن واللم اختلاف برهان الأن واللم في علم واحد يمكن على وجهين " أحدهما " أن يكون أحد القياسين قد أعطى علة بعيدة وقد بقي بعدها اللم فيكون إعطاء اللم لم يستكمل بعد وقد يكون هذا في المطلوب الموجب كمن يضع العلة في أن فلاناً حم أنه انسد مسامه إلا أنه عفن خلطه ويكون في السالب كمن يضع العلة في جواب من يسأله إن الحائط لم يتنفس إنه ليس بحيوان لا أنه ليس بذي رئة وهو الجواب الصواب فإن وجود الرئة علة معاكسة للتنفس وسلبها يسلب التنفس " والوجه الثاني " أن يكون أحد القياسين فيه علة دون الآخر وذلك مثل قياس من يقول أن الكواكب الثابتة بعيدة جداً لأنها تلمع وكل بعيد يلمع فهو بعيد جداً ثم نقول أن المتحيرات قريبة وكل قريب جداً فإنه لا يلمع فالمتحيرات لا تلمع.
الصفحة : 67
فصل في أن الحد لا يكتسب من البرهان ولا القسمة ولا حد ضد المحدود ولا الاستقراء
لا يمكن اكتساب الحد بالبرهان لأنه لابد حينئذ من حد أوسط مساو للطرفين لأن الحد والمحدود متساويان وذلك الأوسط لا يخلو إما أن يكون حداً آخر أو يكون رسماً أو خاصة أما الحد الآخر فإن السؤال في اكتسابه ثابت فإن اكتسب بحد ثالث فالأمر ذاهب إلى غير النهاية وإن اكتسب بالحد الأول فذلك دور وإن اكتسب بوجه آخر غير البرهان فلم يكتسب به هذا الحد على أنه لا يجوز أن يكون لشيء واحد حدان تامان على ما سنوضح بعد: وإن كانت الواسطة غير حد فكيف صار ما ليس بحد أعرف وجوداً للمحدود من الأمر الذاتي المقوم له وهو الحد حتى يكتسب به وأيضاً فهل يكون الحد إنما حمل في الكبرى على الوسط على أنه محمول مطلق أو حمل على أنه حد له فإن حمل على الأوسط على أنه محمول مطلق أنتج أنه محمول على الأصغر فقط ولم يعرف من ذلك أن له حد ولم يكن إلى ذلك القياس حاجة فإنا قد بينا أن حمل الحد وأجزائه على المحدود مما لا يحتاج فيه إلى برهان وأن حمل على أنه حد للأوسط فهو كاذب فإنه ليس حد النوع هو بعينه حد خاصته فليس حد الانسان هو بعينه حد الضحاك إلا أن يقول قائل إنه حمل على الأوسط بأنه حد لموضوعه أي أن ما هو موضوع للأوسط فهذا حده فإن هذا أيضاً كاذب فإن الباكي والخجل وسائر الخواص والفصول المساوية لها تحمل عليها الخاصة وليس حد النوع حداً لها فإن قيل إنه يحمل على الأوسط على أنه حد ما هو موضوع للأوسط وضعاً حقيقياً وضع النوع لخواصه فيكون قد أخذ المطلوب في بيان نفسه فإنه لو كان هذا معلوماً لما احتيج إلى البرهان والحد لا يكتسب بالقسمة فإن القسمة تضع أقساماً ولا تحمل من الأقسام شيئاً بعينه إلا أن يوضع وضعاً من غير أن يكون للقسمة فيه مدخل وإما استثناء نقيض قسم ليبقى القسم الداخل في الحد فهو إبانة الشيء بما هو مثله أو أخفى منه فإنك إذا قلت لكن ليس الانسان غير ناطق فهو إذا ناطق فلم تكن أخذت في الاستثناء شيئاً أعرف من النتيجة وأيضاً فإن الحد لا يكتسب من حد الضد فليس لكل محدود ضد ولا أيضاً حد أحد الضدين أولى بذلك من حد الضد الآخر وأيضاً فإن الاستقراء لا يفيد علماً كلياً فكيف يفيد الحد ولأنك إن استقريت أن الحد حد لكل شخص حتى تجعله حداً للنوع فقد كذبت وإن قلت أن الحد محمول على كل شخص من غير زيادة فليس يوجب هذا أن يكون حداً للنوع وإن قلت
الصفحة : 68
أن الحد حد لنوع كل واحد من تلك الأشخاص فقد صادرت على المطلوب الأول فلم يبق إذاً للاستقراء وجه.
فصل في طريق اكتساب الحد
لكن الحد يقتنص بالتركيب وذلك بأن يعمد إلى الأشخاص التي لا تنقسم وتنظر من أي جنس هي من العشرة التي سنذكرها فتأخذ جميع المحمولات المقومة لها التي في ذلك الجنس أو في الشيء الذي يقوم لها كالجنس فتجمع العدة منها بعد أن تعرف أيها أول لها مثل الحس فإنه أولاً للحيوان ثم النطق وأيضاً مثل الجسم فإنه أولاً للحيوان ثم الناطق وتتحرى أن لا يكون في المجموع شيء مكرر ونحن لا نشعر كما نقول جسم ذو نفس حساس ثم نقول معها حيوان فيكون الحيوان مكرراً تارة بالتفصيل والحد وتارة بالاجمال والتسمية فإذا جمعنا هذه المحمولات ووجدنا منها شيئاً مساوياً للمحدود من وجهين اثنين فهو الحد - أما أحد الوجهين فالمساواة في الحمل أعني أن يكون كل ما يحمل عليه المحدود يحمل عليه هذا القول وكل ما يحمل عليه هذا القول يحمل عليه المحدود والثاني المساواة في المعنى وهو أن لا يكون دالاً على كمال حقيقة ذاته لا يشذ منه عنه شيء فإن كثيراً مما يميز الذات يكون قد أخل ببعض الأجناس أو ببعض الفصول فيكون مساوياً في الحمل ولا يكون مساوياً في المعنى كقولك في حد الانسان أنه جسم ناطق مايت مثلاً فإن هذا ليس بحد حقيقي بل هو ناقص لأن الجنس القريب غير موضوع فيه وكقولك في حد الحيوان إنه جسم ذو نفس حساس من غير أن تقول ومتحرك بالإرادة فإن هذا مساو في الحمل وناقص في المعنى ولا تلتفت في الحد إلى أن يكون وجيزاً بل لا يتم الحد حداً بأن يميز على الايجاز ما لم يوضع فيه الجنس القريب باسمه أو بحده إن لم يوجد له اسم فيكون اشتمل على الماهية المشتركة ثم يؤتى بعده بجميع الفصول الذاتية وإن كانت ألفاً وكان بواحد منها كفاية في التمييز فإنك إذا تركت بعض الفصول فقد تركت بعض الذات والحد عنوان للذات وبيان له فيجب أن يقوم الحد في النفس صورة معقولة مساوية للصورة الموجودة بتمامها فحينئذ يعرض أن يتميز أيضاً المحدود والحكماء لا يطلبون في الحدود التمييز وإن لحقها التمييز بل يطلبون تحقق ذات الشيء وماهيته - ولذلك فلا حد بالحقيقة لما لا وجود له إنما ذلك قول يشرح الاسم - ولذلك ما حد الفيلسوف الحد بأنه قول دال على الماهية ولم يقل قول وجيز مميز كما هو من عادة المحدثين أن يقولوه ولهذا ما ذم تحديد من أخذ في تحديد الشيء العنصر وحده فقط كالطبيعيين في تحديدهم الغضب أنه
الصفحة : 69
غليان دم القلب أو الصورة فقط كالجدليين في تحديدهم الغضب بأنه شهوة الانتقام لا لأنهما لم يميزا بل لأنهما لم يوفيا كمال الماهية بل قد أمر ن يحد من كليهما مجموعين وأن لا يخل بذكر سبب ذاتي في التحديد فعلى هذا يجب أن تقتنص الحدود للأنواع وأما الأجناس فأن تؤخذ الفصول التي تخص الأنواع وتحذف فما يبقى إن كان اسماً مفرداً فصل باعتبار المحمولات وإن كان مؤلفاً فهو المطلوب. فصل في إعانة القسمة في التحديد والقسمة أيضاً معينة في الحد إذا كانت بالذاتيات فكانت القسمة الأعم قسمة من طريق ما هو هو فإن قسمة الحيوان إلى ذي رجلين وكثير الأرجل ليست قسمة له من طريق ما هو حيوان بل له من طريق ما هو ماش فإنه لكونه ماشياً استعد لهذه القسمة لا لكونه حيواناً فإن طبيعة الحيوان لا تنقسم بهذه الانقسامات ما لم يتحصل لها طبيعة المشي فلو كان الحيوان غير ماش لم يستعد لهذه القسمة البتة وإذا فعلت هذا حفظت الترتيب ويجب أن تراعي شرطاً ثالثاً وهو أن لا تقف في الوسط بل تقسم وتقسم حتى ينتهي إلى الذاتيات التي إذا قسمتها وقعت القسمة بغرضيات أو أشخاص فإن القسمة من الجواهر إذا انتهت إلى الانسان وقفت ولم تنقسم بعده بالذاتيات وبعد ذلك إما أن ينقسم الشيء إلى الأشخاص أو إلى فصول عرضية كالكاتب والأمي والمحترف والغاصب وغير ذلك.