وإما وجود أن يجعل وجوده على نحو وجود المحسوسات فلهذا ما كنا نعقل أن الكل متناه لا إلى ملاء ولا إلى خلاء ولكننا لا نتصور في أنفسنا أبداً إلا ملاء أو خلاء بعد ملاء بلا نهاية ونعقل أن للكل مبدأ غير مشار إليه ولا له مكان ولا هو في جهة لكن الوهم يوجب وجوده على أحد هذه الأحوال ولا يكاد يمكنه التخلص منها. الاستقراء هو حكم على كلي لوجود ذلك الحكم في جزئيات ذلك الكلي إما كلها وهو الاستقراء التام وإما أكثرها وهو الاستقراء المشهور فكأنه يحكم بالأكبر على الواسطة لوجود الأكبر في الأصغر ومثاله أن كل حيوان طويل العمر فهو قليل المرارة لأن كل حيوان طويل العمر فهو مثل إنسان أو فرس أو ثور والانسان والفرس والثور قليل المرارة ومن عادتهم أن لا يذكروه على هذا النظم بل يقتصرون على ما هو كالصغرى أو ما هو كالكبرى.
الصفحة : 50
فصل في التمثيل
وأما التمثيل فهو الحكم على شيء معين لوجود ذلك الحكم في شيء آخر معين أو أشياء أخر معينة على أن ذلك الحكم كلي على المعنى المتشابه فيه فيكون المحكوم عليه هو المطلوب والمنقول منه الحكم هو المثال والمعنى المتشابه فيه هو الجامع والحكم هو المحكوم به على المطلوب المنقول من المثال مثاله إن العالم محدث لأنه جسم مؤلف فشابه البناء والبناء محدث فالعالم محدث فههنا عالم وبناء وجسمية ومحدث. فصل في الضمير الضمير هو قياس طويت مقدمته الكبرى إما لظهورها والاستغناء عنها كما جرت العادة في التعاليم كقولك خطا " ا ب و ا ج " خرجا من المركز إلى المحيط " وكل خطين خرجا الخ " إنهما متساويان وقد حذفت الكبرى وإما لا خفاء كذب الكبرى إذا صرح بها كلية كقول الخطابي هذا الانسان مخاطب العدو فهو إذاً خائن مسلم للثغر ولو قال وكل مخاطب للعدو فهو خائن لشعر بما يناقض به قوله ولم يسلم. فصل في الرأي الرأي مقدمة كلية محمودة مسوقة في أن كذا كائن أو غير كائن موجود أو غير موجود صواب فعله أو غير صواب وتؤخذ دائماً في الخطابة مهملة وإذا عمل منها قياس ففي الأغلب يصرح وتؤخذ دائماً في الحطابة مهملة وإذا عمل منها قياس ففي الأغلب يصرح بتلك المقدمة على أنها كبرى وتطوي الصغرى كقولك الحساد يعادون والأصدقاء ينصحون " ويكون القياس هكذا هؤلاء حساد والحساد يعادون فهؤلاء يعادون - أو هؤلاء أصدقاء الأصدقاء ينصحون فهؤلاء ينصحون ".
الصفحة : 51
فصل في الدليل
الدليل في هذا الموضع قياس إضماري حده الأوسط واحد إذا وجد للأصغر تبعه وجود شيء آخر للأصغر دائماً كيف كان ذلك التبع ويكون على نظام الشكل الأول لو صرح بمقدمتيه - ومثاله قولك هذه المرأة ذات لبن " وكل ذات لبن قد ولدت " فهي إذاً قد ولدت وربما سمى هذا القياس نفسه دليلاً وربما سمى به الحد الأوسط. فصل في العلاقة وأما العلاقة فإنها قياس إضماري حده الأوسط إما أعم من الطرفين معاً حتى لو صرح بمقدمتيه كان المنتج منه من موجبتين في الشكل الثاني كقولك هذه المرأة مصفارة فهي إذاً حبلى وإما أخص من الطرفين حتى لو صرح بمقدمتيه كان من الشكل الثالث كقولك إن الشجعان ظلمة لأن الحجاج كان شجاعاً وظالماً. فصل في القياس الفراسي وأما القياس الفراسي فإنه شبيه بالدليل من وجه وبالتمثيل من وجه والحد الأوسط فيه هيئة بدنية توجد للإنسان المتفرس فيه ولحيوان آخر غير ناطق ويكون من شأن تلك الهيئة أن تتبع مزاجاً يتبعه خلق فإنه إذا سلم أن الهيئات البدنية تتبع الأمزجة والمواد وتتبع تلك الأمزجة أخلاق ما فتكون الأمزجة والمواد علة للهيئة وللخلق: والهيئة والخلق تابعان لها في البدن أحدهما معلول للآخر في النفس وتكون حدوده أربعة كحدود التمثيل مثل زيد والاسد وعظم الأعالي الموجودة لهما والشجاعة الموجودة للأسد مسلمة لزيد بالحجة بعد أن تتبعت أصناف الحيوان المشاركة للأسد في الأخلاق فوجد أن كل ما يشاركه في الشجاعة يشاركه في الهيئة وإن خالفه كثير في خلق آخر كالكرم المنسوب إليه الذي يخالف فيه النمر ويشاركه في عظم الصدر والشجاعة وما لا يشاركه في الشجاعة لا يشاركه في هذه وإن شاركه في خلق آخر كالكرم فيقال إن فلاناً عريض الصدر شجاع لأن الأسد عريض الصدر وشجاع. البرهان
الصفحة : 52
فصل في التصور والتصديق
كل علم فإنه إما تصور لمعنى ما أو تصديق وربما كان تصور بلا تصديق مثل من يتصور القائل إن الخلاء موجود ولا يصدق به ومثل ما يتصور معنى الانسان وليس له فيه ولا في شيء من المفردات تصديق ولا تكذيب وكل تصديق وتصور فإما مكتسب يبحث ما - وإما واقع ابتداء والذي يكتسب به التصديق هو القياس وما يشبهه من الأمور التي ذكرناها والذي يكتسب به التصور فهو الحد وما يشبهه من الأمور التي سنذكرها وللقياس أجزاء مصدق بها ومتصورة وللحد أجزاء متصورة وليس يذهب ذلك إلى غير نهاية حتى تكون تلك النهاية ولكن الأمور تنتهي إلى مصدقات بها ومتصورات بلا واسطة ولنعد المصدق بها بلا واسطة. فصل في المحسوسات المحسوسات هي أمور أوقع التصديق بها الحس كقولك الثلج أبيض وكقولك إن الشمس نيرة. فصل في المجربات المجربات هي أمور أوقع التصديق بها الحس بشركة من القياس وذلك أنه إذا تكرر في إحساسنا وجود شيء لشيء مثل الاسهال للسقمونيا والحركات المرصودة للسماويات تكرر ذلك منا في الذكر وإذا تكرر منا ذلك في الذكر حدثت لنا منه تجربة بسبب قياس اقترن بالذكر وهو أنه لو كان هذا الأمر كالاسهال مثلاً عن السقمونيا اتفاقياً عرضياً لا عن مقتضى طبيعته لكان لا يكون في أكثر الأمر من غير اختلاف حتى أنه إذا لم يوجد ذلك استندرت النفس الواقعة فطلبت سبباً لما عرض من أنه لم يوجد وإذا اجتمع هذا الاحساس وهذا الذكر مع هذا القياس أذعنت النفس بسبب ذلك التصديق بأن السقمونيا من شأنها إذا شربت أن تسهل صاحبها.
الصفحة : 53
فصل في المتواترات
المتواترات هي الأمور المصدق بها من قيل تواتر الأخبار التي يصح في مثلها المواطأة على الكذب لغرض من الأغراض كضرورة تصديقنا بوجود الأمصار والبلدان الموجودة وإن لم نشاهدها. فصل في المقبولات المقبولات آراء أوقع التصديق بها قول من يوثق بصدقه فيما يقول إما لأمر سماوي يختص به أو لرأي وفكر قوي تميز به مثل اعتقادنا أموراً قبلناها عن أئمة الشرائع عليهم السلام " قبل أن يتحققها بالبرهان أو شبهه ". فصل في الوهميات الوهميات هي آراء أوجب اعتقادها قوة الوهم التابعة للحس مصروفة إلى حكم المحسوسات لأن قوة الوهم لا يتصور فيه خلافها: ومثال ذلك اعتقاد الكل من الدهماء " ما لم يصرفوا عنه قسراً " إن الكل ينتهي إلى خلاء أو أن يكون الملاء غير متناه ومثل تصديق الأوهام الفطرية كلها بأن كل موجود فيجب أن يكون متحيزاً في جهة - وهذان المثالان من الوهميات الكاذبة وقد يكون منها صادقة يتبعها العقل مثل أنه كما لا يمكن أن يتوهم جسمان في مكان واحد فكذلك لا يوجد ولا يعقل جسم واحد في وقت واحد في مكانين والوهميات قوية جداً عند الذهن والباطل منها إنما يبطل بالعقل ومع بطلانه لا يزول عن الوهم - ولذلك لا تتميز في بادئ الأمر عن الأوليات العقلية ومشابهاتها لأنا إذا رجعنا إلى شهادة الفطرة رأينا الفطرة تشهد بها شهادتها بالعقليات ومعنى الفطرة أن يتوهم الانسان نفسه حصل في الدنيا دفعة وهو بالغ عاقل لكنه لم يسمع رأياً ولم يعتقد مذهباً ولم يعاشر أمة ولم يعرف سياسة لكنه شاهد المحسوسات وأخذ منها الخيالات ثم يعرض على ذهنه شيئاً ويتشكك فيه فإن أمكنه الشك فالفطرة لا تشهد به وإن لم يمكنه الشك فهو ما توجبه الفطرة وليس كل ما توجبه فطرة الإنسان بصادق بل كثير منها كاذب إنما الصادق فطرة القوة التي تسمى عقلاً وأما فطرة الذهن بالجملة فربما كان كاذباً وإنما يكون هذا الكذب في الأمور التي ليست بمحسوسة بالذات إما هي مثل مبادئ المحسوسات كالهيولى والصورة بل العكس والباري تعالى أو هي أعم من المحسوسات كالوحدة والكثرة والتناهي واللاتناهي والعلة والمعلول وما أشبه ذلك فإن العقل لما كان يبتدئ من مقدمات
الصفحة : 54
يساعده عليها الوهم ولا يناقض في شيء منها ولا ينازع ثم إذا انتهى إلى نتائج مضادة لمقتضى فطرة الوهم أخذ الوهم حينئذ في الامتناع عن تسليم الحق اللازم فيعلم أن هذه الفطرة فاسدة وأن السبب فيه أن هذه جبلة قوة لا تتصور شيئاً إلا على نحو المحسوس - وهذا مثل مساعدة الوهم العقل في جميع المقدمات التي أنتجت أن من الموجودات ما ليس له وضع ولا هو في مكان ثم امتناعه عن التصديق بوجود هذا الشيء ففطرة الوهم في المحسوسات وفي الخواص التي لها من جهة ما هي محسوسة صادقة يتبعها العقل بل هو آلة للعقل في المحسوسات وأما فطرتها في الأمور التي ليست بمحسوسة لتصرفها إلى وجود محسوس فهي فطرة كاذبة. فصل في الذائعات وأما الذائعات فهي مقدمات وآراء مشهورة محمودة أوجب التصديق بها إما شهادة الكل مثل أن العدل جميل وإما شهادة الأكثر وإما شهادة العلماء أو شهادة أكثرهم أو الأفاضل منهم فيما لا يخالف فيه الجمهور وليست الذائعات من جهة ما هي هي بما يقع التصديق بها في الفطرة فإن ما كان من الذائعات ليس بأولى عقلي ولا وهمي فإنها غير فطرية ولكنها متقررة عند الأنفس لأن العادة تستمر عليها منذ الصبا وفي الموضوعات الاتفاقية وربما دعا إليها محبة التسالم والاصلاح المضطر إليهما الانسان أو شيء من الاخلاق الانسانية مثل الحياء والاستئناس أو سنن قديمة بقيت ولم تنسخ أو الاستقراء الكثير أو كون القول في نفسه ذا شرط دقيق بين أن يكون حقاً صرفاً أو باطلاً صرفاً فلا يفطن لذلك الشرط ويؤخذ على الاطلاق وإذا أردت أن تعرف الفرق بين الذائع والفطري فاعرض قولك العدل جميل والكذب قبيح على الفطرة التي عرفنا حالها قبل هذا الفصل وتكلف الشك فيهما تجد الشك متأتياً فيهما وغير متأت في أن الكل أعظم من الجزء وهو حق أولى - وفي أن الكل ينتهي عند شيء خارج خلا أو ملأ وهو فطري وهمي والأوليات والوهميات أيضاً ذائعة. وربما عرض من الأسباب ما زيف الوهميات فأخرجها عن الذائعات وأما الذائعات المحمودة في بادئ الرأي الغير المتعقب فهي آراء إذا عرضت على الأذهان العامية الغير الفطنة أو الفطنة الغافلة عرضاً بغتة أذعنت لها وإذا تعقبت لم تكن محمودة كقول القائل يجب أن تنصر أخاك ظالماً أو مظلوماً وليس الشيء الواحد ذائعاً في البادي بالقياس إلى كل سامع بل إلى نفس نفس.
الصفحة : 55
فصل في المظنونات
والمظنونات هي آراء يقع التصديق بها لا على الثبات بل يخطر إمكان نقيضها بالبال ولكن الذهن يكون إليها أميل. فإن لم يخطر إمكان نقيضها بالبال وكان إذا عرض نقيضه على الذهن لم يقبله الذهن ولم يمكنه فليس بمظنون صرف بل هو معتقد فإن قيل له مظنون فباشتراك الاسم وكأنه إنما يقال ذلك لمعتقد غير حق أو غير واجب الحقية وما كان من المعتقدات غير حق أو غير واجب القبول وكان لا يخطر نقيضه بالبال لكنه إذا تكلف اخطاره بالبال لم يجب حينئذ أن يحمد ويقبل وعاد شنعاً أو مشكوكاً فيه بحسب الشهرة فهو الذائع في البادي وبذلك ينفصل عن المظنون. فصل في المخيلات المخيلات هي مقدمات ليست تقال ليصدق بها بل لتخيل شيئاً على أنه شيء آخر وعلى سبيل المحاكاة ويتبعه في الأكثر تنفير للنفس عن شيء أو ترغيبها فيه وبالجملة قبض أو بسط مثل تشبيهنا العسل بالمرة فينفر عنه الطبع وكتشبيهنا التهور بالشجاعة أو الجبن بالاحتياط فيرغب فيه الطبع.
الصفحة : 56
فصل في الأوليات
الأوليات هي قضايا ومقدمات تحدث في الانسان من جهة قوته العقلية من غير سبب يوجب التصديق بها إلا ذواتها. والمعنى الجاعل لها قضية وهو القوة المفكرة الجامعة بين البسايط على سبيل إيجاب أو سلب فإذا حدثت البسائط من المعاني بمعونة الحس والخيال أو بوجه آخر في الانسان ثم الفتها المفكرة الجامعة وجب أن يصدق بها الذهن ابتداء بلا علة أخرى ومن غير أن يشعر أن هذا مما استفيد في الحال بل يظن الانسان أنه دائماً كان عالماً به ومن غير أن تكون الفطرة الوهمية تستدعي إليها على ما بيناه ومثال ذلك أن الكل أعظم من الجزء وهذا غير مستفاد من حس ولا استقراء ولا شيء آخر نعم قد يمكن أن يفيده الحس تصوراً للكل وللأعظم وللجزء وأما التصديق بهذه القضية فهو من جبلته وما كان من الوهميات صادقاً على ما أوضحنا فهو في هذه الجملة واعلم أن الحس إنما يدرك الجزئيات الشخصية والذكر والخيال ما يحفظان ما يؤديه الحس على شخصيته أما الخيال فيحفظ الصورة. وأما الذكر فيحفظ المعنى المأخوذ منه وإذا تنكر الحس كان ذكراً وإذا تكرر الذكر كان تجربة وقد قيل في الحسيات والتجربيات ما فيه كفاية في مثل هذا الكتاب والفكر العقلي ينال الكليات متجردة والحس والخيال والذكر تنال الجزئيات فإن الحس لا ينال الانسان المقول على كثيرين - وكذلك الخيال فإنك أي صورة أحضرتها في التخيل أو في الحس الجسماني لم يمكنك أن تشرك فيها سائر الصور الجزئية الشخصية لأن ما يرتسم في الحس أو الخيال يكون مع عوارض من الكم والكيف والأين والوضع غير ضرورية في الانسانية ولا مساوية لها فالكليات والتصديقات والتصورات الواقعة فيها غير ضرورية في الانسانية ولا مساوية لها فالكليات والتصديقات والتصورات الواقعة فيها غير مدركة بالحس ولا بالتخيل ولا أيضاً عللها حدس أو تجربة لكنهما معاونان للعقل أما من جهة التصور فلأن الحس يعرض على الخيال أموراً مختلطة والخيال يعرضها على العقل ثم العقل يفعل فيها التمييز والتجزئة ويأخذ كل واحد من المعاني مفرداً ويرتب الأخص والأعم والذاتي والعرضي فترتسم حينئذ في العقل المعاني الأولى للمتصورات ثم يركب منها الحدود - فإما من جهة التصديق فقد يعينه الحس فقد يعينه الحس والخيال من طريق التجربة أو الحدس وقد يعينه بالاستقراء والفرق بين الاستقراء والتجربة معلوم واستعانته به من طريق الاستقراء إما على سبيل الاحتجاج وإما على سبيل التنبيه كمن يستقري جزئيات أمور أحكامها بينه الصدق إلا أن
الصفحة : 57
بالنفس عنها غفلة وقد يعين على سبيل العرض بأن يعين أولاً في اعطاء المتصورات ثم المتصورات تأتلف بإيجاب وسلب فيلوح للعقل ما يجب أن يصدق به بذاته ويلوح له القياس فيما يجب أن يكتسب به من التصديق. فصل في البرهان البرهان قياس مؤلف من يقينيات لانتاج يقين واليقينيات إما الأوليات وما جمع معها وإما التجريبيات وإما المتواترات وإما المحسوسات وقد فهمناها وأما الذائعات والمقبولات والمظنونات فخارجة عن هذه الجملة. هو برهان اللم وبرهان الان أما برهان اللم فهو الذي ليس إنما يعطيك علة اجتماع طرفي النتيجة عند الذهن والتصديق بها فقط حتى تكون فائدته أن تعتقد أن القول لم يجب التصديق به بل يعطيك أيضاً مع ذلك علة اجتماع طرفي النتيجة في الوجود فتعلم أن الأمر لم هو في نفسه كذا فيكون الحد الأوسط فيه علة لتصديقك بالنتيجة وعلة لوجود النتيجة لأنه علة للحد الأكبر إما على الاطلاق كقولك هذه الخشبة مثلاً أحالها شيء قوى الحرارة وكل شيء أحاله شيء قوى الحرارة فهو محترق - فهذه الخشبة محترقة وإما لا على الاطلاق بل علة لوجود للأصغر مثل أن يكون الحد الأوسط نوعاً ما وله جنس أو فصل أو خاصة فنحمل ذلك الحد عليه أولاً ونحمل عليه ما وضع تحته مثل قولك كل شكل متساوي الساقين فهو مثلث وكل مثلث فإن زواياه الثلاث مساوية لقائمتين.
الصفحة : 58
فصل في برهان الأن
وأما برهان الأن فهو الذي إنما يعطيك علة اجتماع طرفي النتيجة عند الذهن والتصديق فيعتقد أن القول لم يجب التصديق به ولا يعطيك أن الأمر في نفسه لم هو كذلك لأن الحد الأوسط فيه ليس هو علة للأكبر في ذاته بوجه ولا علة لوجود الحد الأكبر في الأصغر وربما كان معلولاً له كقولنا هذه الخشبة محترقة فإذا قد أحالها شيء حار والاحتراق معلول لوجود الحد الأكبر في الأصغر وما كان هكذا فليسم دليلاً.
فصل في مطلب هل
مطلب هل هو ما يطلب به أن يتعرف الايجاب أو السلب وبالجملة التصديق وهو إما مطلب هل مطلقاً كقولك هل الله موجود وهل الخلاء موجود وإنما يطلب به أن يتعرف بهذا المطلب حال الشيء في الوجود المطلق أو العدم المطلق وأما مطلب هل مقيداً كقولنا هل الله خالق الشر وهل الجسم محدث وإنما يطلب به أن يتعرف هل الشيء موجود على حال ما أو ليس. فصل في مطلب ما مطلب ما هو ما يطلب به التصو وهو إما بحسب الاسم كقول القائل ما الخلاء ومعناه ما المراد باسم الخلاء - وهذا يتقدم كل مطلب وإما بحسب الذات كقولك ما الانسان في وجوده وهذا يطلب به أن يتعرف حقيقة الذات ويتقدمه الهل المطلق.
الصفحة : 59
فصل في مطلب لم
مطلب لم ما يطلب به أن يتعرف العلة لجواب هل وهو إما أن يطلب به علة التصديق فقط –
فصل في معنى الأي
وأما مطلب الأي فهو داخل بالقوة في الهل المقيد وإنما يطلب التمييز إما بالصفات الذاتية وإما بالخواص. فصل في الأمور التي يلتئم منها أمر البراهين ثلاثة موضوعات ومسائل ومقدمات هي المبادئ والموضوعات يبرهن فيها والمسائل يبرهن عليها والمقدمات يبرهن بها. فلنتكلم أولاً في المقدمات.
فصل في مقدمات البراهين
مقدمات البراهين تكون صادقة يقينية ذاتية لا بد أن تنتهي إلى مقدمات أولية مقولة على الكل كلية وقد تكون ضرورية إلا على الأمور المتغيرة التي هي في الأكثر على حكم ما فتكون أكثرية وأن تكون عللاً لوجود النتيجة وأن تكون مناسبة لها. فصل في الحمل الذاتي الحمل الذاتي يقال على وجهين فإنه إما أن يكون المحمول مأخوذاً في حد الموضوع مثل الحيوان في حد الانسان وإما أن يكون المحمول مأخوذاً في حده الموضوع أو جنساً مثل الفطوسة التي يؤخذ في حدها الأنف والمثلث الذي يؤخذ في حده السطح أو موضوع معروضة كمفرق البصر الذي يؤخذ في حده الجسم والجسم موضوع الأبيض الذي هو معروض لذلك العارض وإنما كان هذا ذاتياً لأنه خاص لموضوع الصناعة أو لشيء في موضوع الصناعة التي الشيء من جملتها فهو يتبع الشيء أو موضوع صناعته من حيث هو ولا يكون دخيلاً عليه غريباً عنه.